الحلقة الـ 16 من كتاب « كيف نعلم أبناءنا تحمل المسؤولية » للكاتبة الكبيرة : « سلوى المؤيد » تحت عنوان :كيف نوصل لأبنائنا رسائلنا لتقويمهم ؟ .
...............
يوجه أغلب الآباء كلمات لإرشاد أبنائهم..لكنهم لا يهتمون بما يقوموا به من أفعال أو تصرفات بعد ذلك لتطبيق هذه الكلمات والتأكيد عليها لكي ينفذها الأبناء ..والواقع يقول أن الرساله التي يرسلها هؤلاء الآباء لإبنائهم إذا لم تكن واضحة ومؤثرة ..فسوف ينهار الإتصال بينهم وبين هؤلاء الأبناء وبالتالي لن يستفيدوا بتوجيههم نحو السلوك السليم .
لتبدأ أولاً بمثال يوضح هذا الأسلوب السلبي في وضع الحدود للأبناء .. وسنحاول تحليل هذا الأسلوب..وتوضيح الخطأالذي يرتكبه الأباء ويعطل عملية الإتصال فلا يستفيد الأبناء من توجيهم .. فيستمروا في تصرفاتهم السلبية .
إذا قالت الأم لطفلها " عليك أن تقوم بتنظيف غرفتك قبل أن تلعب "
ولم ينفذ الإبن ما قالته أمه..فتقوم الأم يائسة بترتيب غرفته متأففة لعدم طاعته
هنا نرى بإن الجملة التي قالتها الأم لطفلها لم تتطابق مع تصرفاتها التي قامت بها .
إذن.. الطفل هنا استلم رسالة مشوشة أو غير مفهومة ..ولم يدرك بالضبط ماذا تريد منه أمه ، كلماتها قالت له :
" عليك أن تقوم بتنظيف غرفتك قبل أن تلعب " لكن فعلها قال له " ليس من المهم يا إبني أن تنفذ ما طلبته منك ..أو أنت غير ملزم بالقيام بهذا الأمر"
ماذا يطيع الإبن هنا ..؟وأين هي القاعدة التي ترتكز عليها هذه الأم و هي تعلم ابنها تحمل مسؤلية ترتيب غرفته قبل أن يذهب للعب .
أما الأسلوب الآخر الذي تصل من خلاله رسائل غير واضحة للأبناء ولا يتمكن الآباء به من إصلاح تصرفات أبنائهم السلبية .. فهو الأسلوب المتسلط .. لذلك سأحاول توضيحه من خلال المثال الآتي :
طفل في التاسعة من عمره ..اشتكى مدرسه لإبيه أنه لايصغي له ..ولا يبدي أي تعاون معه ويضرب زملائه في المدرسة .
ماذا فعل الأب ؟
انتظر إبنه إلى أن عاد من المدرسة ..وأعطاه محاضرة عن أهمية تعاونه مع مدرسه في الفصل .. ثم ضربه لإنه كان قد ضرب زملائه في المدرسة لكي يؤدبه .
لنحلل هذا الموقف حتى نجد الخطأ في هذا الأسلوب.
دعونا أولاً نسأل أنفسنا .. ماذا تعلم الطفل من والده ؟
كلمات والده تقول له " تعاون في المدرسة "..لكن ضربه له أوصل للولد رسالة أخرى مختلفة هي الآتي :
"يعتبر الضرب وسيلة لنحل بها مشاكلنا .. بدل أن نكون متعاونين "
ماذا سيفعل هذا الطفل غالباً في المستقبل ..عندما يذهب إلى المدرسة ويواجه مناقشة أو مشاجرة مع أصدقائه ..سيطبق طبعاً الأساليب التي تعلمها من والده في التعاون مع الآخرين..وهي أن يضرب الطالب الذي
(٢)
يعارضه أويضايقه .
إن تعليم الآباء لإبنائهم القواعد الصحيحة في معاملة الآخرين.. يجب أن تكون مرتبطة بإفعالهم ولا تتعارض معها....وإلا فهم بذلك يرسلون لهؤلاء الأبناء رسائل غير واضحة ..وتؤدي إلى عكس ما يقصدوه من تأثيرعلى أبنائهم .
إلا إن هناك طريقة إيجابية تقوم على الأسلوب الديمقراطي في التربية ..القائم على حرية اختيار الطفل أحد أمرين ..على أن يكون الأب حازماً مع إبنه في تطبيق الأمر الذي اختاره .. وقد ثبت نجاح هذا الأسلوب عملياً من خلال تجارب كثيرة قام بها الخبير التربوي "الدكتور روبرت مكنزي " ووضع بعدها كتاب عملي غني بالتجارب العملية التي أثبتت مدى نجاح هذا الأسلوب الذي يعلم الطفل كيفية اتخاذ القرار والإلتزام بتنفيذه ..أي تنمية الإحساس بمسؤليته عن تصرفاته لإنه أختارها بنفسه ..فيعمل بذلك على تطوير سلوكه بنفسه ..وهو ما يريده الآباء من تربية أبنائهم وتقويم سلوكهم ..كما إني أريد أن أوضح هنا أن هذه الطريقة المؤثرة في تقويم تصرفات أبنائنا تحتاج منا إلى وقت أقصر ومجهود أقل من الأساليب المستخدمة الأخرى .. وتمنحنا نتائج أفضل .
دعونا هنا نضرب مثال حول هذه الطريقة لتتضح لنا الصورة أكثر .
" علي طفل في الثامنة من عمره..حصل على هدية كان يتمناهاوهي دراجةسريعة ..صنعت بحيث يمكن أن يستخدمها في الشوارع المرتفعة .
قال له والده وهو يضع له القواعد المسموح له أن يتصرف بدراجته على أساسها ..بعد أن أبدى إعجابه بها
"دراجتك جميلة وكثير من الأطفال قد يتمنون ركوبها ..لذلك عليك أن تقفلها عندما تأخذها معك إلى المدرسة لكي لا يسرقها أحد ....وأتوقع منك أن أن تضعها في الكراج كل مساء "
نفذ علي ما طلبه منه والده ..لكنه بعد يومين فقط ترك دراجته أمام البيت معرضة للسرقة .
قال والده لنفسه .. سأ دعه قليلاً فقد يتذكر ويأخذها إلى الكراج ..لكن علي تناول عشائه وذهب لينام دون أن يتذكر دراجته ..لذلك قام الأب بقفل الدراجة وأخذ المفتاح معه ووضعها في الكراج .
وعندما خرج علي في اليوم التالي إلى المدرسه بحث عن دراجته فوجدها مقفلة وموضوعة في الكراج .. وسأل والده ..من وضع دراجته هكذا..لإنه يريدها للذهاب إلى المدرسة ؟.
رد عليه والده بنبرة حاز مة
"أنا الذي وضعتها هنا ..كانت متروكة أمام البيت البارحة
قال علي " أنا فعلاً آسف يا أبي ..أوعدك بإني لن أنساها مرة أخرى ..هل باستطاعتي أن أركبها اليوم فقط إلى المدرسة "
ورغم توسل علي لوالده..إلا إنه تمسك بعقابه لإبنه قائلاً :
" يمكنك أخذها يوم السبت القادم ..والآن إسرع إلى الباص قبل أن يرحل بدونك "
والد علي مثلنا جميعاً..شعر بالشفقة على و لده وكان في إمكانه أن يسامحه هذه المره ويكسر القاعدة التي وضعها..لكن ماذا سيجني من ذلك ؟..إبنه لن يحترم قواعده وسيكسرها مرة أخرى وأخرى ..لكنه عندما تمسك بموقفه .. وعاقب إبنه بعدم استخدام دراجته إلى يوم السبت ..فعله كان هنا مطابقاً لكلامه أوالقاعدة التي وضعها لإبنه .وهو يرسل له هنا رسا لةواضحة .. تجعله يشعر بالمسؤلية عما بين يديه من أشياء..وتجعله أيضاً يحترم كلام والده عندما يضع له قاعدة أخرى ليعوده على السلوك الصحيح .
(٣)
الخلاصة إذن .. أن إيمان الأبناء بإهمية ما نضعه لهم من قواعد أو حدود للسلوك الصحيح يقوم على ما نقوم به من أفعال تؤكد كلماتنا التي تناولت هذه القواعدأو الحدود وتلك حقيقة هامة جداً في تربية الأبناء للتخلص من تصرفاتهم الخاطئة أو السلبية ..لإن الطفل إذا وجد أن والده طبق ما قاله حول قاعدة معينة..ينمو لديه إحترام كلامه أوكلام والدته ..وينمو لديه تلقائياً التعود على الإحساس بالمسؤلية نحو أشيائه الخاصة و دراسته أونحو أسرته ومجتمعه عندما يكبر .
http://Www.salwaalmoayyed.com.bh